يبدو أننا ومن جديد، مع وصول تقنية الاتصال 5G، مقدمون على واحدة من تلك القفزات التقنية التي تُوصف بأنها قفزة واضحة للمستقبل بدل أن تكون تقدمًا تقنيًا بسيطا، لكن السؤال، هل نحن بحاجة لجيل جديد من الاتصال الخلوي بما أن العديد من البلدان، مازالت تُعاني مع تغطية شبكة الـ4G؟ لكن التقنية لا تنتظر أحدًا بلا شك وجيل جديد من تقنية الاتصال، يعني المزيد من السهولة في التعامل مع التكنولوجيا في حياتنا اليومية.
فايف جي، بوابة على المُستقبل
حتى الآن، الاتصال اللاسلكي من الجيل الجديد 5G مازال تجريبيا إلى حدٍ ما، وحتى شركات من قبيل Verizon للاتصال، تعرض تجربة محدودة جدًا في الولايات المتحدة الأمريكية، والمحدودية هنا ليست إشارة للرقعة التي تُغطيها فقط، وإنما من حيث التقنية نفسها، فنحن مازلنا في بداية هذه السنة، غير قادرين على الحديث عن تقنية 5G بالشكل الذي يجعلها القفزة التي توصف بها، ويُمكن أن نقول ببساطة أننا مازلنا في مرحلة بناء الأساس.
ذلك لا يعني أننا نعلم إلى أي حدٍ يُمكن أن تصل إليه هذه التقنية من التطور، فحتى في الجيل السابق (4G) لم تكن التغطية ولا السرعات موحدة لنتحدث عن مؤشر يُخبرنا بوصول التقنية لكامل قدراتها، وإن كان الإعلان عن التقنية من الآن، فلن يكون استخدامها الكامل آنيًا، حتى وإن بدأت شركات الاتصال من حول العالم تستخدمها وتُسوق لها، فهو سباق معهود في سوقٍ يعرف تغييرات كبيرة باستمرار.
جيل جديد
تتحدد الأجيال في تقنية الاتصالات بأكثر من عامل، أهمها عملية التشفير التي تجعل توافقه مع الجيل السابق غير ممكنٍ أو محدودا، ويصف هذا النقطة الفارقة، التي تفصل بوضوح بين جيلٍ وجيل آخر، لكن من المفترض أن توفر تقنية الاتصال الخلوي من الجيل الخامس المزيد من المزايا التي تتماشى مع العالم الرقمي المتصل تجعل الانتقال من الجيل الرابع للخامس ملحوظًا، منها السرعة (صبيب البيانات) والأمان وسلاسة نقل البيانات بين المنصات ويشمل ذلك عدد الأجهزة المتصلة في وقتٍ واحد، ويُعول عليها الكثيرون لتُحدث نقلة واضحة في كل المجالات التي يُمكن استخدام اتصال لاسلكي فيها، ومنها قطاع السيارات، والأمن والتكنولوجيا الموجهة للأفراد، بالإضافة لخط الإنتاج داخل الشركات.
ستسمح شبكة بسرعة أكبر للمستخدمين بتجاوز المزايا المتوفرة للمستخدم العادي كتصفح الإنترنت والمُراسلة والتحميل، لاستخدام أوسع للأجهزة التي تتطلب اتصالًا دائما كأجهزة الأمن، بالإضافة للأجهزة ذات التحكم الذاتي التي يُمكن التعامل معها عن بعد، كالسيارات والطائرات بدون طيار (درونز) والروبوتات.
بمُضاعفة سرعة التحميل، فإن سوق المُشاهدة واللعب عند الطلب (الخدمات السحابية) سيعرف نموا كبيرا أيضًا، ممكنا المستخدمين من الاستمتاع بجودة 4k للفيديو وبدون فترات تحميل طويلة. مستخدمو التقنية في مجالات الصحة والرياضة سيكونون سعداء أيضًا بلا شك بالحصول على أجهزة متصلة بشبكة بسرعة نقل بيانات أسرع، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بما أنه سيكون لها تأثير واضح أيضًا على تقنيتي الواقع الافتراضي (VR) والواقع المُعزز (AR).
سرعة أكبر
تتمثل الميزة الأهم للمستخدم العادي بلا شك في سرعة اتصاله، والسرعة التي تنتقل بها البيانات من وإلى جهازه، الـ 5Gستعرض سرعات أكبر مئة مرة وأكثر من السرعات الحالية (اتصال فور جي) ونحن نتحدث عن اتصال لاسلكي، ما يعني تجربة مُستخدم أفضل بكثير من أي وقتٍ مضى، سرعة كبيرة تعني أيضًا الاستمتاع بمشاهدة الفيديو أو اللعب عبر الشبكة واستخدام الشبكات السحابية بشكلٍ أفضل وبجودة أعلى، وقد تُصبح جودة 4k هي المعيار الافتراضي عند المشاهدة بدل جودة الوضوح الكامل Full HD.
سرعة استجابة أعلى (latency)
كم من شخصٍ عانى من سرعة الاستجابة بسبب اتصال شبكته؟ عند تحميل الملفات، قد لا تكون هنالك مشكلة في التغير المستمر لسرعة الاتصال، لكن عندما يتعلق الأمر باستخدام خدمات المُشاهدة أو اللعب عند الطلب، فإن سرعة ثابتة مهمة جدًا، كما أن سرعة الاستجابة لها دور كبير في تحسين تجربة المُستخدم.
الوقت الذي تأخذه الأجهزة لإرسال وتلقي البيانات سيكون أقل بشكلٍ واضح، تظهر أهمية ذلك عند الرغبة في استخدام أي جهاز يستجيب عن بعد، حيث لا يحصل تأخر في الاستجابة بين ما يقوم به المستخدم والنتيجة، ويظهر ذلك في الألعاب مثلا، حيث تحتاج الألعاب لعرض صورة من الخادم مباشرة بعد تلقيها لإشارة من المستخدم.
الاتصال عبر 5G سيُقلص الفارق بين الفعل والاستجابة لتُوصلها لأقل من 10 ملّي ثانية، وهو ما يُقارب استجابة فورية، هذا سيفتح ثورة في العديد من المجالات، إلى الحد الذي يُمكن أن تُجرى عملية عبر دراعٍ آلية أو روبوت جراح من قبل طبيب جراح عن بعد.
كيف تعمل؟
للوصول للسرعات الكبيرة التي ستوفرها الـ5G فإنها ستقوم على المستوى التقني باستخدام للموجات الميلمترية، بفعل ذلك، سيكون الاتصال عبر ترددات راديو فائقة العلو على عكس تقنية الـ 4G وبالتالي لن تتأثر بعدد الأجهزة المتصلة وسيحصل كل مُستخدم على سرعة اتصال كبيرة بدون انقطاعات أو بطء الخدمة.
هذه الطريقة لم تُستخدم قبلًا إلّا في مجالات محدودة للاتصال بين الأقمار الاصطناعية وأجهزة الكشف (الرادارات) ما يترك مساحة فارغة يُمكن استخدامها لأجهزة الاستخدام اليومي. الموجات الميلمترية ستحتاج لمُعززات إشارة تُوضع على أمتارٍ من بعضها البعض لتعزيز الإشارة وتوزيعها بشكل يوفر تغطية كاملة داخل المدن ويمنع من تأخر الإشارة، الـ 5Gستحتاج بلا شك بنية تحتية مُهمة ولهذا يدفع بعض الخبراء بتاريخ استخدامها على نطاق واسع جدا للعام 2022.
الموجات الميلمترية سيئة عندما يتعلق الأمر باختراق الأجسام السميكة، كما أنها تتأثر بأحوال الطقس السيئة ولا تنتقل إلّا لأمتارٍ محدودة، لذا لا بد من تعزيز الإشارة بشكلٍ ما، هذه المعززات (صغيرة باستهلاك طاقة محدود) ستنقل الإشارة من البرج الرئيسي لجهاز المستخدم، وستُبَدّل بين المعززات بربط جهازه بها كلما كان على مقربة من واحدة منها، ما يعني أن الإشارة لا تضيع بالابتعاد عن البرج الرئيسي أو تواجد حاجز يؤثر على جودة الإشارة.
تحدٍ جديد
عالم متصل، هو عالم مُهدد على الدوام بلا شك، فرغم طبقة الأمان الإضافية التي ستُضيفها الـ5G، فهنالك مخاوف من تسهيل عملية القرصنة والاختراق والسيطرة على البيانات من خلال الأجهزة الموصولة بها، أو التحكم الكامل على الأجهزة من خلال السيطرة عليها بشكلٍ غير مصرح به، فلم يعد ممكنا الآن الاتصال بجهاز ذكي أو جهاز حاسوب وحسب، وإنما بكل شيء تقريبًا، وإن كان الاتصال البطيء والمحدود، يفرض على البعض استخدام الأساليب التقليدية للاتصال عبر الأسلاك، فإن سرعة أكبر للشبكة قد تدفعه لاستخدام المزيد من الأجهزة المُرتبطة بالشبكة، وبالتالي فتح الباب أمام المزيد من الثغرات.
استخدام الـ5G لبنية تحتية جديدة سيكون أيضًا تحديًا إضافيا للبلدان ذات الميزانيات الاستثمارية المحدودة، خاصة مع معاناة الكثير منها مع توفير تغطية 4G على نطاقٍ واسع، إضافة لحاجتها لاستثمار إضافيٍ لتركيب الأبراج الرئيسية والمُعززات، وقد ترفع بلا شك سعر الفواتير، قبل أن ينتقل المزيد من المستخدمين لها.
مازال الوقت مبكرًا
لاستخدام الـ5G لابد من جهاز يدعمها، ولا يتوقع أن تنتشر بشكلٍ واسع قبل العام 2022 عندما تُصبح التغطية أكبر والأجهزة الذكية وأهمها الهواتف قادرة على استخدامها، لن ننتظر كثيرًا قبل رؤية تطبيق فعلي لها، فهي في مرحلة العمل الأولية في كوريا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وقطر، وستكون بلا شك من أكبر مواضيع سنة 2019، خاصة بالتعرف على شركات الهواتف التي ستعرض أجهزتها التي تدعمها.
سواء عربيًا أو على مستوى العالم، الكثير من البلدان لن تدخل القائمة سوى نهاية هذه السنة أو خلال السنة المقبلة 2020، لذا مازال الوقت مُبكرًا للحديث عن مقدار التغيير الذي سيحصل بسبب الـ5G، لكننا متأكدون أن بحلول العام 2020 وما بعده، المزيد من الأجهزة ستكون متصلة مع بعضها البعض، والتقنية ستفتح للإنسان أبوابًا جديدة على المستقبل.